
خلال الأسابيع الماضية اتصل بي أحد الصحفيين وطلب مني كتابة مقال في أحد زوايا المجلة ، ولم يكن أي مقال ، بل كان عن نظرة فنية أسطرها لكم من خلال هذه الزاوية ..
لم أفكر مطلقاً عن الموضوع الذي سأبدأ بطرحه ، لأنه وأثناء اتصاله كنت أكتب قصة فيلم يناقش قضايا ومشاكل تتعلق بمجتمعنا السعودي ، هذا الفيلم الذي أثق تمام الثقة بأنه بعد العرض سيحقق ردود أفعال قويه وسينجح بإذن الله بما فيه من قصص مثيره من واقع مجتمعنا السعودي ، لكن لن أكتب هنا قصة الفيلم أو نبذة عن الشركة المنتجة ، بل سأسأل سؤال واحد وبسيط جداً وإجابته أعتقد بأنني أعرفها مسبقاً .. من سيقوم بتأدية أدوار هذا الفيلم ؟!
ليس لديّ أي عنصريه ، وهذه العبارة دائماً أرددها ، ودائماً ما نرى الممثلات الخليجيات يقومون بأدوار البطولة في المسلسلات (السعودية) ، والسبب واضح ، لأننا لا نملك عدد كافي من الممثلات السعوديات اللاتي يستطعن تأدية تلك الأدوار ، لكن في ذلك الفيلم أريد أن كل ممثل وممثلة ينتمون إلى هذا المجتمع أباً عن جد ، وأريدهم هم الذين يجسدون تلك الأدوار التي تناقش قضايا بلدهم ..
وشعرت بسعادة حين سمعت عن فلانة وفلانة وفلانة من الشابات السعوديات دخلن هذا المجال ، لكن سرعان ما تلاشت تلك المشاعر حين علمت باحتكارهن من خلال إحدى شركات الإنتاج ..
كيف لهذه الشركات أن تحتكر وجوه جديدة تبحث عن الانتشار من خلال شركات الإنتاج المنتشرة والقنوات الفضائية ، ومع ذلك يتم احتكارهن لدى شركة لا تنتج مسلسلاتها إلا لقناة واحدة فقط ؟!
قد يكون التفكير المادي واندفاع هؤلاء الممثلات بدون التفكير أحياناً في النواحي السلبية الأخرى لهذا الموضوع هو السبب الرئيسي في موافقتهن عن احتكارهن من خلال الشركة التي قدمت لهن هذا العرض ، والآن لو أرادت أي شركة أخرى أن تنتج فيلماً سعودياً يناقش قضايا جريئة وحساسة ومهمة فلن تجد سوى أن تستعين بأخريات يتحدثن اللهجة السعودية ، وبالتأكيد لن يتحدثن بها بطلاقة ولن ينجحن في ذلك ، لكن هذا هو (المتوفر) وإلا فسيتوقف إنتاج العمل ..
لو كنا في دولة خليجية أو عربية أخرى لكان هذا الموضوع بسيط جداً ، فحين يتم احتكار خمسة من الممثلات فسيكون هناك الكثير من البديلات ، لكن هنا إن تم احتكار هذا العدد فلن يكون هناك أي بديل ، فأنا أعتقد بأنني بأنني الوحيدة التي لم تحتكر حتى الآن ، فدائماً أقول أن الممثلات السعوديات لدينا قلائل فهنّ (كم حبة) يتم عـدّهن على أصابع اليد الواحده ، أما (المحسوبات على السعودية) فهن يتحدثن اللهجة السعودية لكنهن ليسواْ بسعوديات لا من قريب ولا من بعيد ولا يتحدثن اللهجة ببراعـة كـبراعة بنــات البلد ..
سألت إحدى المرات واحدة من الممثلات السعوديات اللاتي يشاركن في إحدى الأعمال والتقيت بها في أحد الأدوار وسألتها متى سينتهي عقد احتكارك؟ أجابتني بأن ما تبقى على انتهاءه ما يقارب السنة والنصف ، أي ثمانية عشر شهراً سأنتظر أن ينتهي ثم أبدأ بتصوير الفيلم ، ولا أعلم إن كان عقدها سيتجدد أم لا ، لذلك ولأنني لا أثق بهذا الموضوع فسأضطر أن أنتهي من كتابة السيناريو وأبدأ بتصوير الفيلم بالاستعانة بممثلات من الخارج ، يا للأسف كم تمنيت أن يتم إلغاء فكرة الاحتكار في السعودية وأن يحظين هؤلاء الممثلات باهتمام أكبر وانتشار أوسع وأن تعلو نجوميتهن ويصلن إلى العالمية ، خصوصاً وأن الممثلة السعودية كالعملة النادرة يصعب الحصول عليها ومع ذلك نجدهن مقيّدات بعقود وشروط معقدة ، وما يزيد التعقيد هو أن شركات الإنتاج في السعودية والخليج مرتبطين ببعضهم البعض ، فلو احتـُكرت إحدى تلك الممثلات سيعلم جميع المخرجين وإدارات تلك الشركات في الخليج بهذا العقد وسيهضم حق تلك الممثلة وسيبقى اسمها في الأرشيف ويتم نسيانها حتى بعد انتهاء عقدها ، وهذه أعظم مشكلة ..
أتمنى أن تعيد تلك الممثلات حساباتهن ويفكرن ملياً قبل أن يوقعن على عقود الاحتكار ، فمن حق أي ممثلة أن تشارك في أعمال أخرى مع شركات وقنوات مختلفة يقدون لها الأفضل ، وأتمنى أن تفكر تلك الشركات قبل أن يحتكرن أي ممثلة سعودية ، فهذا ظلم وإجحاف في حق ابنة بلدهم ، وأن يقدمون لها الأفضل من جميع النواحي ، فهي الأحق بأكبر الأعمال وأفضل الأجور ، فهذه السعودية قاومت وتعدّت الخط الأحمر وجاهدت وخاطرت بنفسها أمام العادات والتقاليد والمجتمع لكي تصل إلى ما تريد ، وفي الأخير يأتي من لا يقدّر لها هذا الشيء ويحبطها ويشد من قيدها ويحتكرها وكأنه (استعبدها) لكي تقدم أفضل ما لديها لشركته فقط ..
أحمد الله أني لم أقع في شباك الاحتكار مهما علا شأن الشركة ، فمن حقي أن أعيش وأن أعمل كما أريد ومع من أريد .. أعاذني الله وأعاذ جميع الممثلات السعوديات من شر عقود (الاحتقار) تلك ، فهو ليس عقد احتكار بل عقد احتقار لأنه يقلل من موهبة تلك الممثلة وابداعها ونجوميتها المفترضة ..